أوباما.... تصبحون على وطن
أعرف أن مخاض النضال من أجل الحرية ، من أجل المساواة ، من أجل العدالة ، من أجل المواطنة الكاملة لا يحمل في طياته غير عمق الشجن .
وأعرف أن السُكنى في وطن تحبه ولكن لا تنتمي له انتماء كامل لأنه لا ينتمي إليك إنتماء كامل ، غربة ما بعدها غربة .
وأعرف أن فخاخ الإحباط ورياح اليأس حاولت ومازالت تحاول أن تصيب كثير من المناضلين في مقتل وتـقتـلع جذورنا ، وتجهض حلم الوطن الحـُر لتميته أو تميتنا لكي لا نراه متحققاً متجسداً .
ولكن التاريخ البشري حافل بالنضال ، حافل بالتحقق ، لشعوب ناضلت بحق فقررت مصيرها . انتقلت من خانة العبودية ليس بمعجزة ولا بدعوات الأمهات الثكالى ، ولا بمساعدة " طير من أبابيل " . إلا أنها قررت أن تدفع الثمن – لا حرية إلا بدم - .
لا أقصد دم اغتيالات ولا دم انقلابي ، فما بُـني على باطل فهو باطل ، ومن زرع دماً يحصد دماً . أنا أتكلم عن النضال السلمي ، نضال اللاعنف .
وها مارتن لوثر كينج في خطابه المأثور ( لدي حلم ) في كتاب النضال المقدس يقول :
" وبعد مائة عام ، يجب علينا أن نواجه الحقيقة المأساويّة وهي أن الزنجيّ لا يزالُ مُعاقاً بقيودِ العزلِ العرقيّ ، وأغلالِ العنصريّة . بعد مائة عامٍ ، لا يزالُ الزنجيُّ يعيشُ على جزيرةِ فقرٍ وحيدة في وسط محيطٍ فسيحٍ من الرخاءِ الاقتصادي" .
منذ أكثر من خمسين عاماً يحكمنا العسكر ، " وجهاز الأمن يمد يديه في كل مكان .
" بعد مائة عامٍ ، لا يزالُ الزنجيُّ يذبُل في زوايا المجتمع الأمريكي ، ويجدُ نفسهُ منفيّاً في أرضه "
منذ أكثر من خمسين عام لا يزال المصري مهمشاً مغترباً ، منفياً في أرضه .
" إن هذا الوقت ليس وقتُ الانخراط في التهدئة ، أو وقت تعاطي مسكنّات التدرجية . الآن هو الوقتُ الذي فيه نُبرم وعوداً حقيقية للديمقراطية . الآن هو الوقتُ الذي فيه ننهضُ من الظلام ونهجر وادي التمييز العنصري لنصلَ إلى الطريق المشمس للعدالة العرقية . الآن هو الوقت الذي فيه نفتحُ أبواب الفرص لكل أبناء الشعب . الآن هو الوقتُ الذي فيه نرفعُ أمتنا من الرمال المتحركة للظلم العنصري ، إلى صخرةِ الأخوّةِ الصلبة" .
نعم إن هذا الوقت لمصر ولشعب مصر الكامل الأهلية ، غير القاصر ، رغم كل تراكم الأتربة البدوية على هرم حضارتنا ، لندشن وعوداً حقيقة للديمقراطية المعرفية والسياسية . بلا أدنى تمييز بين الرجال والنساء ، بين مسلمين ومسيحيين وبهائيين وشيعة ولادينيين . لنحذف خانة الديانة من الأوراق الرسمية . لنصير متساوون بحق .. مواطنون بحق بلا أدنى تمييز . ولتصبح الأكثرية أو الأقلية سياسية لا دينية .
" إن أولئك الذين يتمنون أنه لابد للرجل الأسود من أن يكبح غضبه ، ويرضى بواقعه ، سيواجهون إيقاظاً عنيفاً إذا ما عادت الدولة إلى عادتها كالسابق . لن يكون هناك سكونٌ ولا راحة في أمريكا حتى يُمنح الرجل الأسود حقوق المواطن . ولكن هناك شيءٌ يجب عليّ قوله لأبناءِ شعبي الذين يقفون على عتبةٍ ساخنةٍ توصلهم إلى قصر العدالة . يجب علينا في عملية حصولنا على مكاننا الشرعيّ أن لا نرتكب أفعالاً غير شرعية . دعونا لا نبحثُ عما يُطفئُ ظمأنا للحرية بالشرب من كاس المرارة والكراهية . يجبُ علينا دوماً أن نقود كفاحنا إلى مستوىً عالٍ من الكرامة وضبطِ النفس . يجبُ علينا أن لا نسمح لاحتجاجنا أن ينحطّ على درجةِ العنفِ الجسدي . ومرةً بعد مرة ، يجبُ علينا أن نبلغ القمم المهيبة لاجتماع قوة الجسد مع قوة الروح .
إن روح النضالِ الجديدة والرائعة ، والتي تشبّع بها مجتمعُ السود ، لا يجبُ أن تقودنا إلى الارتيابِ في جميع البيض ؛ لأن العديد من إخواننا البيض ، كما دلّ على هذا وجودهم اليوم بيننا ، أدركوا أن قدرهم مقيّدٌ بقدرنا ، وحرّيتهم هي رابطٌ لا يقبل الإنفصام عن حريّتنا . فنحنُ لا يمكننا أن نمضي وحدنا . "
نعم فمصر لكل المصريين ، أغنياء وفقراء ، مسلمين ومسيحيين وبهائيين وشيعة ولادينيين ، بدو سيناء والنوبيين . الحقوق للجميع ، الحرية للجميع ، الواجبات على الجميع .
الدين لله ومصر للجميع .
" إخواني ، أقول لكم اليوم بأنه رغم الصعوبات والإحباطات التي نمرّ بها ، إلا أنني ما زلتُ أحتفظُ بحلمي . إنه حلمٌ متأصلٌ بعمق في الحلم الأمريكي .
لدي حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف تنهض دولتنا وتُحيي المعنى الحقيقي لعقيدتها فتقول : " إننا نلتزم بهذه الحقائق لتكون بيّنةً بأن الجميع خُلقوا متساوين
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف يجلس أبناءُ العبيد السابقين ، وأبناء أصحاب العبيد معاً على مائدةِ الأخوّة .
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام أن الصحراء القائظة بفعل حرارة الظلم والاضطهاد ، سوف تتحولُ إلى واحةٍ للحرية والعدالة .
لديّ حلمٌ بأن أطفالي الأربعة سوف يعيشون يوماً ما في دولةٍ لا يُحكم عليهم فيها على أساس لون بشرتهم ، وإنما شخصهم وأفعالهم . لديّ اليوم حلم .
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام حيث تقطر شفتا الحاكم كلماتِ التطفّل ومنع تنفيذ قرارات الدولة في الولاية، أحلمُ بأن تتحول الولاية إلى درجةٍ حيث يستطيع الأولاد والبنات السود أن يشبكوا أياديهم بأيادي الأولاد والبنات البيض ، ويمشون معاً إخوةً وأخوات .
سيكون هذا هو اليوم الذي فيه يغني كل أبناء الشعب بمعنىً جديد :
وطني ، إنها أرضك .. أرضُ الحريةِ الحبيبة .. لأجلك أغني :
الأرضُ التي مات فبها آبائي .. أرضُ فخر المهاجرين .. من كل انحدارات الجبال ،
فليُقرع جرسُ الحرية ..
أحرارٌ أخيراً .. أحرارٌ اخيراً
أخيراً نحن أحرار !"
وبعد محاولات كثيرة لاغتياله من أنظمة تخشى الفجر ، أغتيل مارتن لوثر كينج 1968 قبل أن يرى حلمه يتحقق .
وسبق كينج فصولاً من النضال نحتاج أن نعبر عليها ليس عبور الكرام بل عبور التعلم واستخلاص النتائج ومعرفة آليات التغيير .
أولاً لأجل وجود دولة محايدة عادلة قائمة على مفهوم المواطنة الذي لا يفرق بين لون وآخر ، بين لغة وأخرى ، بين جنس وآخر ، بين عقيدة وأخرى ، ينبغي أن يكون الدستور مدني .
والذي بدأ بعبارة ( نحن الشعب ) ولا يحتوي الدستور على كلمة دين وليس من حق الكونجرس بأي حال من الأحوال بتشريع قانون قائم على أساس ديني ، كما جاء في التعديل الأول للدستور الأمريكي 1791 .
و تستمد مواد الدستور الأمريكي مضمونها من نظريات الفيلسوفين الإنجليزيين توماس هوبز
وجون لوك، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
إذاً معادلة الدولة المدنية المؤسسة على مبدأ المواطنة واضحة وضوح الشمس ، فالدولة ليس لها دين رسمي ، الدولة كيان اعتباري لكل المواطنين ، ولا يوجد ضمن مصادر تشريع الدولة المدنية دين ما ، أو عقيدة ما أو شريعة ما .
فالدولة المدنية المحايدة ليست دولة الأغلبية بل هي دولة الجميع أكثرية وأقلية . دولة تحمي حقوق الأقلية كأولوية قصوى قبل حقوق الأكثرية . ففي الدولة المدنية الفرد مهم وليس فقط المجموع لأن حقوق المجموع مبنية على حقوق وحريات الأفراد .
ويحضرني في هذا النسق أن خلال معظم المئة وخمسين سنة التي تلت تبنّي وثيقة الحقوق 1791 ( والتي تضمنت التعديلات العشر الأولى للدستور ) ، امتثل الكونغرس للأوامر القضائية للتعديل الأول؛ وكان من نتيجة ذلك أن عدداً قليلاً جداً من القضايا التي رفعها أصولي وسلفي أمريكا أمام المحاكم تعرضت للفقرة الخاصة بإنشاء دين رسمي والتي نصها :
لا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلميا، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف.
ولم يكن لتلك القضايا قيمة تذكر كسابقة قانونية. لكن سنة 1947، أصدرت المحكمة العليا حكماً شرح فيه القاضي هيوغو ل. بلاك بإسهاب التطور التاريخي للحرية الدينية في الولايات المتحدة ، في الحكم الذي أصدره في قضية إفرسون ضد مجلس التعليم،.
قال القاضي هيوغو ل. بلاك، في حكمه - 1947
ان الفقرة الخاصة "بتأسيس ديانة رسمية" الواردة في التعديل الأول تعني :
• لا يحق لولاية ما أو للحكومة الفدرالية تأسيس دين.
• ولا يحق لأحد منهما سن قوانين تساعد ديناً واحداً، أو تساعد جميع الأديان، أو تفضل ديناً على آخر.
• ولا يحق لهما إجبار المرء أو التأثير عليه لكي يذهب إلى أو ينأى بنفسه عن دين ضد إرادته، أو إجباره على الاعتناق أو عدم الاعتناق لأي دين.
• لا يمكن معاقبة أي إنسان لتفكيره أو لممارسته أي معتقدات أو لعدم إيمانه بأي دين.
• ولا يجوز فرض ضرائب أياً كانت قيمتها، كبيرة أم صغيرة، لمساندة أي نشاطات أو مؤسسات دينية، اأياً كان اسمها، أو أياً كان الشكل الذي تتبناه، لتعليم أو ممارسة الدين. - ما رأيكم في مؤسسة الأزهر ؟
• وليس بإمكان أي ولاية أو الحكومة الفدرالية المشاركة، جهاراً أم سرّاً، في نشاطات أي منظمة أو مجموعة دينية، والعكس. فالفقرة التي تعارض تأسيس دين ما بموجب قانون، كان القصد منها حسب تعبير توماس جفرسون، تشييد "جدار فاصل بين الدين والدولة."
الدين لله والوطن للجميع ، اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
فأمريكا لكل الأمريكيين ومصر لكل المصريين .
وإليكم مثال مهم جداً يفك الالتباس والتضبيب والتضليل بين حرية الإعتقاد وممارسة الإعتقاد ، ودور الدولة المحايد ، دولة القانون ودولة حقوق الإنسان ودولة إدارة التعددية والاختلاف.
في قضية المورمون ضد الولايات المتحدة قال القاضي موريسون ر. وايت، 1879
القوانين تصاغ للحكم على الممارسات والأعمال ، وإذا كانت الحكومات لا تستطيع التدخل في المعتقدات الدينية والآراء، فان من حقها أن تفعل ذلك بالنسبة للممارسات.
لنفترض أن شخصاً ما يؤمن بأن الأضاحي البشرية هي جزء ضروري من عبادته الدينية . هل سيكون من الجد التفكير بأن الحكومة التي يعيش في ظل نظامها لا يجوز أن تتدخل لمنع القتل الآدمي؟!
أو إذا كانت زوجة تؤمن دينياً أن من واجبها إحراق نفسها فوق الكومة الجنازية لزوجها المتوفي، هل سيكون تدخل الحكومة المدنية للحؤول دون وضع معتقدها موضع التطبيق خروجاً على سلطاتها؟!
وإذا كان استحلال أموال وحياة الآخر ,التحريض على العنف والكراهية له تربريرات دينية ، هل ستسمح به الحكومة المدنية بحجة وتبرير حماية حرية الاعتقاد وحرية الممارسة ؟
ان السماح بذلك يعني جعل العقائد التي تعلمها المعتقدات الدينية أعلى من قانون البلاد والسماح عملياً لأي مواطن بأن يصبح هو القانون بذاته. في مثل تلك الظروف تكون الحكومات موجودة بالاسم فقط ، ونتحول في لحظة وطرفة عين من دولة إلى غابة ، من المواطنون إلى رعايا ، من دافعي ضرائب لدافعي جزية ، من أحرار إلى عبيد وسبايا .
تلك كانت واحدة من القضايا القليلة التي حكمت فيها المحكمة العليا ضد ادعاء الممارسة الحرة من جانب مجموعة مُتميزة ومُنفصلة، وقد فعلت ذلك لأن الممارسة المعنّية، كان يُنظر اليها كتهديد للمجتمع المدني.
غير أن التمييز بين العمل والعقيدة ولّد مبدأ دستورياً هاماً، وهو أن العقيدة في ذاتها لا يمكن التهجم عليها أو الإزدراء بها أو حظرها.
تخيلوا تحضر ورقي الدولة المدنية التي رغم حظرها لممارسات بعض العقائد التي تهدد حقوق الآخر لكنها مع ذلك تحمي دستورياً هذه العقائد من الإزدراء بها والتهجم عليها .
وإليكم مثال ثالث خاص بجماعة شهود يهوة في أمريكا والمشابهين لجماعة التكفير والهجرة وبعض الجماعات الراديكالية لدينا في بعض الممارسات :
تلك القضية المتعلقة بشهود يهوة ، ورفضهم تحية العلم الأميركي.
كسبت الطائفة شهرة هائلة قبل الحرب العالمية الثانية بقليل في إطاعتها عقيدتها القائلة بأن تحية علم ما تخالف وصية الكتاب المقدس التي تحرم الانحناء أمام الصور المحفورة، وأعطى أعضاء الطائفة تعليمات لأطفالهم بأن لا ينضموا إلى طقس تحية العلم الأميركي في الصباح. طرد العديد من أطفال شهود يهوى من المدارس مع اقتراب الحرب بسبب تعلقّهم بمعتقداتهم، كما تعرض ذووهم للغرامات وللتحقيقات الجنائية
وفي سنة 1939، وفي وقت كان يُتوقع فيه كل إنسان تقريباً أن الولايات المتحدة سوف تدخل الحرب العالمية الثانية، كانت قيمة تشجيع الروح الوطنية تبدو مهمة هامة جداً في المدارس الرسمية.
وجد القاضي فيليكس فرانكفورتر نفسه، ممزقاً بين تعـلـُقه بحرية الدين لجميع المجموعات وبين اعتقاده بأن من حق المدرسة دستورياً أن تطلب من الطلاب تحية العلم. وكتب يقول:
"لم يكن شيء أثقل على ضميري، منذ أن جئت إلى هذه المحكمة، أكثر من هذه القضية. أن تحيزي كله وميلي المسبق هو لصالح إعطاء أوسع مجال لكل أنواع وجهات النظر الدينية والسياسية والإقتصادية ... لكن هذه المسألة تدخل في ميدان حيث السلطة الدستورية تقف في جهة، وأفكاري الخاصة بالنسبة للحرية والتسامح والفكر السليم في الجهة الأخرى. "
وجاء قرار المحكمة ضد شهود يهوة وتأييداً لمدرسة المقاطعة.
هذه هي بحق الدولة المدنية المحايدة .. هذا هو بحق الدستور المدني الخالي من الصبغة الدينية والتمييز الديني
وهذا هو القضاء المستقل بحق الذي لا يخلط بين ما يعتنقه عقائدياً في قلبه ، وما هو مكلف به قانوناً عادلاً نزيهاً .
فلا يوجد لديهم مواطن يناضل من أجل أن يأخذ شَرطة غير حقوقية – فالبهائيون بهائيون وليسوا شـُرَط .
ولا مواطن يسجن لأجل مدونته الخاصة .
ولا تعقيدات تذكر من أجل إصدار تراخيص دور عبادة ما .
فحرية التعبير، كما قال القاضي أوليفر وندل هولمز جونيور ، ليست للخطاب الذي نتفق معه، بل للخطاب الذي نختلف معه.
الدولة المدنية بلا مهاترات ولا حرب طواحين هواء ولا تمييز لا معنى له ولا تواطيء أمني مع الأغلبية الدينية ولا تقاطع مصالح مع جماعات محظورة ، ففي الدولة المدنية الأغلبية سياسية والأقلية سياسية .
فأوباما – الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة – أول رئيس من أصول أفريقية ، أبوه مسلم وأمه مسيحية يصل للبيت الأبيض حيث الكفاءة هي المعيار .
أوباما هو ثمرة هذا التاريخ النضالي .اوباما ثمرة ناضجة اكتملت أخيراً بعد زرع بزار الحرية والتعددية وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان والحريات الفردية ودولة القانون والتداول السلمي للسلطة .
اوباما ليس شخصاً فقط بل حالة حضارية تمخضت بها البشرية بشكل عام على كوكب الأرض وبشكل خاص في أمريكا – مكتب مجلس إدارة العالم ، ودولة الخلافة الإنسانية الآن .
أوباما ليس خروج عن النص الأمريكي ، ولا صوت نشاز في السيمفونية الأمريكية بل بالعكس هو جزء أصيل من سيمفونية الحضارة الإنسانية .
اوباما ليس زرع شيطاني ولا باراشوت سقط على رؤوس الأمريكان والعالم ، بل هو نتيجة تراكم كمي وكيفي أمريكي وإنساني .
تمخض العالم المتحضر فولد أوباما ليكتب تاريخه بماء الذهب وليعلن للعالم أن أمريكا التي أتت ببوش الكابوس صاحب الكيل بمئة مكيال والمصالح الأمريكية والذي داس على كل مباديء وقيم أمريكا العليا التي بنيت عليها وتفانت من أجلها إلى أن وصلت لقمة هرم البشرية العلمي والحقوقي والقانوني .
ولأن العالم أصبح قرية صغيرة بحق والحدود والسيادة الوطنية ومفهوم الداخل والخارج .. والوطن والمهجر .. صارت مفاهيم تنظيرية إلى حد كبير .. وحدود وخيوط مرسومة على لوحة الخرائط داخل أدراج الأمم المتحدة . ولكن الواقع والحقيقي أن العالم أصبح متداخل إلى درجة تفوق تخيل الكثير من الأنظمة الأمنية الماضوية التي مازالت ترى العالم بعين مخبر وتتعامل مع الأوطان بـُعرف وبلطجة وضع اليد . ولكن الحقيقة ما تراه ما هو إلا سراب من الماضي السحيق .
نجمة أينشتين التي نراها مضاءة وهي في الحقيقة الآن معتمة منذ سنين !!
أوباما يمثل لنا هبوب ريح التغيير المنتظر .. رياح التغيير لحكومات تخيلنا أنها سرمدية ، ولدنا فوجدناها منذ البدء وقالوا أنها ستكون إلى الأزل .
تغيرنا وهم لا يتغيرون . تطورنا وهم لا يتطورون . حتى الجماعات الإرهابية لدينا تغيرت ، تاب من تاب ، وتراجع من تراجع ، وهم لا يتراجعون ولا يتوبون . خطاة نحن وهم لا يخطئون.
حتى الإخوان تطوروا ، انتشروا ، تشعبوا من أسفل المجتمع في الشوارع والحواري والجوامع إلى القمة ، في البرلمان والنقابات وما خفي كان أقبح. من لم يعترفوا بالسياسة قديماً اعترفوا بها الآن وبالأحزاب ، استولوا على الحكم في غزة ، أقوياء في السودان . أصبحوا لاعب أساسي في مثلث برموا العربي – ايران ، سوريا ، " الجزيرة " قطر .
حتى الأقباط تطوروا ، تحركوا بين أقباط الداخل وأقباط المهجر الذين قضوا قروناً يعطوا الخد الآخر .
حتى البهائيون الذين لا يؤمنون بالسياسة ويؤمنون بكل الأنبياء حتى بوذا وبالوحي المتصل ، رفعوا قضايا .
وأهل النوبة .. والشيعة المصريين يسجنوا ويناضلوا .
والمدونين والفيس بوك وجيل الشباب المسكوت عنه والمشفر ، المـُلغم بأحلام المستقبل وبأحلام الحياة الأفضل .
ها رياح التغيير تهب . أوباما ليس شخص فقط بل هو حالة إنسانية حضارية .
لحظة تاريخية تشق النقاب عن فجر جديد .. الآن أصبح لدينا حلم .
رياح تغير وجه العالم القبيح الذي أصبح كالشبح في أعيننا . وتخيلنا أنه من كثرة تكرار السيناريو أنه لا مفر من الشبح ، لا مفر من الإحباط .. لا مفر من ثبات البركة الراكدة الفاسدة الفولاذية التي لا تـُقهر ولا يأتيها الباطل من بين أيديها و لا من خلفها .
أوباما لأمريكا طبيعي جداً .. بديهي جداً .. " التطور الطبيعي للحاجة الساقعة هناك " .
لكن هنا عندنا ، نحن ساكني الأدغال وشاربي بول الإبل نراه معجزة كعصا موسى ، يشق النهر ، يحرك الماء الراكد منذ سنين .. يقول لنا أنه يوجد في الأمكان أبدع مما كان ، وأن الغد يمكن أن يكون أجمل . وأن المستقبل يمكن أن يكون أكثر حرية وأكثر ديمقراطية وأكثر قانوناً وأكثر مواطنة .
يقول لنا أننا يمكن أن نكون مواطنين ولسنا رعايا . شركاء ولسنا أجراء . متساوون في الحقوق والواجبات ولسنا عبيد لمماليك الأمس .
أوباما كلمة أصبحت مكثفة كالإسفنجة امتصت كل أمانينا وأحلامنا بمستقبل قابل للتحقق ، ولأننا في قرية صغيرة وما تخترعه أمريكا نستورده . وما تزرعه نأكله .. ما يـتغير هناك ، نحصد صداه هنا .
والآن من حقي أن أحلم بأوباما مصري يـُغير واقعنا المتردي .. فالتاريخ صنعه الأحرار العادلون .. القادرون على التغيير ، الحالمون بعالم أفضل .
نحلم بأوباما مصري يدشن دولة القانون بيد عادلة لا مرتعشة .
يد حقوقية لا ديكتاتورية
يد ليبرالية لا عنصرية
يد لا تخاف من تداول السلطة السلمي
فالديمقراطية المعرفية والسياسية
والحريات الفردية .. وحقوق الإنسان
والفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني
ما هو نسبي وما هو مطلق
أرض خصبة ضد الشوك .. وسماء مستنيرة ضد طيور الظلام
ومعمل علمي ضد الخرافة
ووطن حـُر عادل ضد العسس
ومواطنون منتمون فخورون بجنسيتهم وهويتهم المصرية العريقة بحق
أوباما المصري الذي يعلن أن مصر ليست عاقر مهما حاولوا أن يقنعونا أنها عجوز شمطاء غير قادرة على الحلم والتحقق .
أوباما المصري الذي يحمي أبجدية حلمنا وشفرة مستقبلنا
حسن إسماعيل
أمين عام الإتحاد المصرى لحقوق الإنسان
وأعرف أن السُكنى في وطن تحبه ولكن لا تنتمي له انتماء كامل لأنه لا ينتمي إليك إنتماء كامل ، غربة ما بعدها غربة .
وأعرف أن فخاخ الإحباط ورياح اليأس حاولت ومازالت تحاول أن تصيب كثير من المناضلين في مقتل وتـقتـلع جذورنا ، وتجهض حلم الوطن الحـُر لتميته أو تميتنا لكي لا نراه متحققاً متجسداً .
ولكن التاريخ البشري حافل بالنضال ، حافل بالتحقق ، لشعوب ناضلت بحق فقررت مصيرها . انتقلت من خانة العبودية ليس بمعجزة ولا بدعوات الأمهات الثكالى ، ولا بمساعدة " طير من أبابيل " . إلا أنها قررت أن تدفع الثمن – لا حرية إلا بدم - .
لا أقصد دم اغتيالات ولا دم انقلابي ، فما بُـني على باطل فهو باطل ، ومن زرع دماً يحصد دماً . أنا أتكلم عن النضال السلمي ، نضال اللاعنف .
وها مارتن لوثر كينج في خطابه المأثور ( لدي حلم ) في كتاب النضال المقدس يقول :
" وبعد مائة عام ، يجب علينا أن نواجه الحقيقة المأساويّة وهي أن الزنجيّ لا يزالُ مُعاقاً بقيودِ العزلِ العرقيّ ، وأغلالِ العنصريّة . بعد مائة عامٍ ، لا يزالُ الزنجيُّ يعيشُ على جزيرةِ فقرٍ وحيدة في وسط محيطٍ فسيحٍ من الرخاءِ الاقتصادي" .
منذ أكثر من خمسين عاماً يحكمنا العسكر ، " وجهاز الأمن يمد يديه في كل مكان .
" بعد مائة عامٍ ، لا يزالُ الزنجيُّ يذبُل في زوايا المجتمع الأمريكي ، ويجدُ نفسهُ منفيّاً في أرضه "
منذ أكثر من خمسين عام لا يزال المصري مهمشاً مغترباً ، منفياً في أرضه .
" إن هذا الوقت ليس وقتُ الانخراط في التهدئة ، أو وقت تعاطي مسكنّات التدرجية . الآن هو الوقتُ الذي فيه نُبرم وعوداً حقيقية للديمقراطية . الآن هو الوقتُ الذي فيه ننهضُ من الظلام ونهجر وادي التمييز العنصري لنصلَ إلى الطريق المشمس للعدالة العرقية . الآن هو الوقت الذي فيه نفتحُ أبواب الفرص لكل أبناء الشعب . الآن هو الوقتُ الذي فيه نرفعُ أمتنا من الرمال المتحركة للظلم العنصري ، إلى صخرةِ الأخوّةِ الصلبة" .
نعم إن هذا الوقت لمصر ولشعب مصر الكامل الأهلية ، غير القاصر ، رغم كل تراكم الأتربة البدوية على هرم حضارتنا ، لندشن وعوداً حقيقة للديمقراطية المعرفية والسياسية . بلا أدنى تمييز بين الرجال والنساء ، بين مسلمين ومسيحيين وبهائيين وشيعة ولادينيين . لنحذف خانة الديانة من الأوراق الرسمية . لنصير متساوون بحق .. مواطنون بحق بلا أدنى تمييز . ولتصبح الأكثرية أو الأقلية سياسية لا دينية .
" إن أولئك الذين يتمنون أنه لابد للرجل الأسود من أن يكبح غضبه ، ويرضى بواقعه ، سيواجهون إيقاظاً عنيفاً إذا ما عادت الدولة إلى عادتها كالسابق . لن يكون هناك سكونٌ ولا راحة في أمريكا حتى يُمنح الرجل الأسود حقوق المواطن . ولكن هناك شيءٌ يجب عليّ قوله لأبناءِ شعبي الذين يقفون على عتبةٍ ساخنةٍ توصلهم إلى قصر العدالة . يجب علينا في عملية حصولنا على مكاننا الشرعيّ أن لا نرتكب أفعالاً غير شرعية . دعونا لا نبحثُ عما يُطفئُ ظمأنا للحرية بالشرب من كاس المرارة والكراهية . يجبُ علينا دوماً أن نقود كفاحنا إلى مستوىً عالٍ من الكرامة وضبطِ النفس . يجبُ علينا أن لا نسمح لاحتجاجنا أن ينحطّ على درجةِ العنفِ الجسدي . ومرةً بعد مرة ، يجبُ علينا أن نبلغ القمم المهيبة لاجتماع قوة الجسد مع قوة الروح .
إن روح النضالِ الجديدة والرائعة ، والتي تشبّع بها مجتمعُ السود ، لا يجبُ أن تقودنا إلى الارتيابِ في جميع البيض ؛ لأن العديد من إخواننا البيض ، كما دلّ على هذا وجودهم اليوم بيننا ، أدركوا أن قدرهم مقيّدٌ بقدرنا ، وحرّيتهم هي رابطٌ لا يقبل الإنفصام عن حريّتنا . فنحنُ لا يمكننا أن نمضي وحدنا . "
نعم فمصر لكل المصريين ، أغنياء وفقراء ، مسلمين ومسيحيين وبهائيين وشيعة ولادينيين ، بدو سيناء والنوبيين . الحقوق للجميع ، الحرية للجميع ، الواجبات على الجميع .
الدين لله ومصر للجميع .
" إخواني ، أقول لكم اليوم بأنه رغم الصعوبات والإحباطات التي نمرّ بها ، إلا أنني ما زلتُ أحتفظُ بحلمي . إنه حلمٌ متأصلٌ بعمق في الحلم الأمريكي .
لدي حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف تنهض دولتنا وتُحيي المعنى الحقيقي لعقيدتها فتقول : " إننا نلتزم بهذه الحقائق لتكون بيّنةً بأن الجميع خُلقوا متساوين
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام سوف يجلس أبناءُ العبيد السابقين ، وأبناء أصحاب العبيد معاً على مائدةِ الأخوّة .
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام أن الصحراء القائظة بفعل حرارة الظلم والاضطهاد ، سوف تتحولُ إلى واحةٍ للحرية والعدالة .
لديّ حلمٌ بأن أطفالي الأربعة سوف يعيشون يوماً ما في دولةٍ لا يُحكم عليهم فيها على أساس لون بشرتهم ، وإنما شخصهم وأفعالهم . لديّ اليوم حلم .
لديّ حلمٌ بأنه في يومٍ من الأيام حيث تقطر شفتا الحاكم كلماتِ التطفّل ومنع تنفيذ قرارات الدولة في الولاية، أحلمُ بأن تتحول الولاية إلى درجةٍ حيث يستطيع الأولاد والبنات السود أن يشبكوا أياديهم بأيادي الأولاد والبنات البيض ، ويمشون معاً إخوةً وأخوات .
سيكون هذا هو اليوم الذي فيه يغني كل أبناء الشعب بمعنىً جديد :
وطني ، إنها أرضك .. أرضُ الحريةِ الحبيبة .. لأجلك أغني :
الأرضُ التي مات فبها آبائي .. أرضُ فخر المهاجرين .. من كل انحدارات الجبال ،
فليُقرع جرسُ الحرية ..
أحرارٌ أخيراً .. أحرارٌ اخيراً
أخيراً نحن أحرار !"
وبعد محاولات كثيرة لاغتياله من أنظمة تخشى الفجر ، أغتيل مارتن لوثر كينج 1968 قبل أن يرى حلمه يتحقق .
وسبق كينج فصولاً من النضال نحتاج أن نعبر عليها ليس عبور الكرام بل عبور التعلم واستخلاص النتائج ومعرفة آليات التغيير .
أولاً لأجل وجود دولة محايدة عادلة قائمة على مفهوم المواطنة الذي لا يفرق بين لون وآخر ، بين لغة وأخرى ، بين جنس وآخر ، بين عقيدة وأخرى ، ينبغي أن يكون الدستور مدني .
والذي بدأ بعبارة ( نحن الشعب ) ولا يحتوي الدستور على كلمة دين وليس من حق الكونجرس بأي حال من الأحوال بتشريع قانون قائم على أساس ديني ، كما جاء في التعديل الأول للدستور الأمريكي 1791 .
و تستمد مواد الدستور الأمريكي مضمونها من نظريات الفيلسوفين الإنجليزيين توماس هوبز
وجون لوك، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
إذاً معادلة الدولة المدنية المؤسسة على مبدأ المواطنة واضحة وضوح الشمس ، فالدولة ليس لها دين رسمي ، الدولة كيان اعتباري لكل المواطنين ، ولا يوجد ضمن مصادر تشريع الدولة المدنية دين ما ، أو عقيدة ما أو شريعة ما .
فالدولة المدنية المحايدة ليست دولة الأغلبية بل هي دولة الجميع أكثرية وأقلية . دولة تحمي حقوق الأقلية كأولوية قصوى قبل حقوق الأكثرية . ففي الدولة المدنية الفرد مهم وليس فقط المجموع لأن حقوق المجموع مبنية على حقوق وحريات الأفراد .
ويحضرني في هذا النسق أن خلال معظم المئة وخمسين سنة التي تلت تبنّي وثيقة الحقوق 1791 ( والتي تضمنت التعديلات العشر الأولى للدستور ) ، امتثل الكونغرس للأوامر القضائية للتعديل الأول؛ وكان من نتيجة ذلك أن عدداً قليلاً جداً من القضايا التي رفعها أصولي وسلفي أمريكا أمام المحاكم تعرضت للفقرة الخاصة بإنشاء دين رسمي والتي نصها :
لا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلميا، وفي مطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف.
ولم يكن لتلك القضايا قيمة تذكر كسابقة قانونية. لكن سنة 1947، أصدرت المحكمة العليا حكماً شرح فيه القاضي هيوغو ل. بلاك بإسهاب التطور التاريخي للحرية الدينية في الولايات المتحدة ، في الحكم الذي أصدره في قضية إفرسون ضد مجلس التعليم،.
قال القاضي هيوغو ل. بلاك، في حكمه - 1947
ان الفقرة الخاصة "بتأسيس ديانة رسمية" الواردة في التعديل الأول تعني :
• لا يحق لولاية ما أو للحكومة الفدرالية تأسيس دين.
• ولا يحق لأحد منهما سن قوانين تساعد ديناً واحداً، أو تساعد جميع الأديان، أو تفضل ديناً على آخر.
• ولا يحق لهما إجبار المرء أو التأثير عليه لكي يذهب إلى أو ينأى بنفسه عن دين ضد إرادته، أو إجباره على الاعتناق أو عدم الاعتناق لأي دين.
• لا يمكن معاقبة أي إنسان لتفكيره أو لممارسته أي معتقدات أو لعدم إيمانه بأي دين.
• ولا يجوز فرض ضرائب أياً كانت قيمتها، كبيرة أم صغيرة، لمساندة أي نشاطات أو مؤسسات دينية، اأياً كان اسمها، أو أياً كان الشكل الذي تتبناه، لتعليم أو ممارسة الدين. - ما رأيكم في مؤسسة الأزهر ؟
• وليس بإمكان أي ولاية أو الحكومة الفدرالية المشاركة، جهاراً أم سرّاً، في نشاطات أي منظمة أو مجموعة دينية، والعكس. فالفقرة التي تعارض تأسيس دين ما بموجب قانون، كان القصد منها حسب تعبير توماس جفرسون، تشييد "جدار فاصل بين الدين والدولة."
الدين لله والوطن للجميع ، اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
فأمريكا لكل الأمريكيين ومصر لكل المصريين .
وإليكم مثال مهم جداً يفك الالتباس والتضبيب والتضليل بين حرية الإعتقاد وممارسة الإعتقاد ، ودور الدولة المحايد ، دولة القانون ودولة حقوق الإنسان ودولة إدارة التعددية والاختلاف.
في قضية المورمون ضد الولايات المتحدة قال القاضي موريسون ر. وايت، 1879
القوانين تصاغ للحكم على الممارسات والأعمال ، وإذا كانت الحكومات لا تستطيع التدخل في المعتقدات الدينية والآراء، فان من حقها أن تفعل ذلك بالنسبة للممارسات.
لنفترض أن شخصاً ما يؤمن بأن الأضاحي البشرية هي جزء ضروري من عبادته الدينية . هل سيكون من الجد التفكير بأن الحكومة التي يعيش في ظل نظامها لا يجوز أن تتدخل لمنع القتل الآدمي؟!
أو إذا كانت زوجة تؤمن دينياً أن من واجبها إحراق نفسها فوق الكومة الجنازية لزوجها المتوفي، هل سيكون تدخل الحكومة المدنية للحؤول دون وضع معتقدها موضع التطبيق خروجاً على سلطاتها؟!
وإذا كان استحلال أموال وحياة الآخر ,التحريض على العنف والكراهية له تربريرات دينية ، هل ستسمح به الحكومة المدنية بحجة وتبرير حماية حرية الاعتقاد وحرية الممارسة ؟
ان السماح بذلك يعني جعل العقائد التي تعلمها المعتقدات الدينية أعلى من قانون البلاد والسماح عملياً لأي مواطن بأن يصبح هو القانون بذاته. في مثل تلك الظروف تكون الحكومات موجودة بالاسم فقط ، ونتحول في لحظة وطرفة عين من دولة إلى غابة ، من المواطنون إلى رعايا ، من دافعي ضرائب لدافعي جزية ، من أحرار إلى عبيد وسبايا .
تلك كانت واحدة من القضايا القليلة التي حكمت فيها المحكمة العليا ضد ادعاء الممارسة الحرة من جانب مجموعة مُتميزة ومُنفصلة، وقد فعلت ذلك لأن الممارسة المعنّية، كان يُنظر اليها كتهديد للمجتمع المدني.
غير أن التمييز بين العمل والعقيدة ولّد مبدأ دستورياً هاماً، وهو أن العقيدة في ذاتها لا يمكن التهجم عليها أو الإزدراء بها أو حظرها.
تخيلوا تحضر ورقي الدولة المدنية التي رغم حظرها لممارسات بعض العقائد التي تهدد حقوق الآخر لكنها مع ذلك تحمي دستورياً هذه العقائد من الإزدراء بها والتهجم عليها .
وإليكم مثال ثالث خاص بجماعة شهود يهوة في أمريكا والمشابهين لجماعة التكفير والهجرة وبعض الجماعات الراديكالية لدينا في بعض الممارسات :
تلك القضية المتعلقة بشهود يهوة ، ورفضهم تحية العلم الأميركي.
كسبت الطائفة شهرة هائلة قبل الحرب العالمية الثانية بقليل في إطاعتها عقيدتها القائلة بأن تحية علم ما تخالف وصية الكتاب المقدس التي تحرم الانحناء أمام الصور المحفورة، وأعطى أعضاء الطائفة تعليمات لأطفالهم بأن لا ينضموا إلى طقس تحية العلم الأميركي في الصباح. طرد العديد من أطفال شهود يهوى من المدارس مع اقتراب الحرب بسبب تعلقّهم بمعتقداتهم، كما تعرض ذووهم للغرامات وللتحقيقات الجنائية
وفي سنة 1939، وفي وقت كان يُتوقع فيه كل إنسان تقريباً أن الولايات المتحدة سوف تدخل الحرب العالمية الثانية، كانت قيمة تشجيع الروح الوطنية تبدو مهمة هامة جداً في المدارس الرسمية.
وجد القاضي فيليكس فرانكفورتر نفسه، ممزقاً بين تعـلـُقه بحرية الدين لجميع المجموعات وبين اعتقاده بأن من حق المدرسة دستورياً أن تطلب من الطلاب تحية العلم. وكتب يقول:
"لم يكن شيء أثقل على ضميري، منذ أن جئت إلى هذه المحكمة، أكثر من هذه القضية. أن تحيزي كله وميلي المسبق هو لصالح إعطاء أوسع مجال لكل أنواع وجهات النظر الدينية والسياسية والإقتصادية ... لكن هذه المسألة تدخل في ميدان حيث السلطة الدستورية تقف في جهة، وأفكاري الخاصة بالنسبة للحرية والتسامح والفكر السليم في الجهة الأخرى. "
وجاء قرار المحكمة ضد شهود يهوة وتأييداً لمدرسة المقاطعة.
هذه هي بحق الدولة المدنية المحايدة .. هذا هو بحق الدستور المدني الخالي من الصبغة الدينية والتمييز الديني
وهذا هو القضاء المستقل بحق الذي لا يخلط بين ما يعتنقه عقائدياً في قلبه ، وما هو مكلف به قانوناً عادلاً نزيهاً .
فلا يوجد لديهم مواطن يناضل من أجل أن يأخذ شَرطة غير حقوقية – فالبهائيون بهائيون وليسوا شـُرَط .
ولا مواطن يسجن لأجل مدونته الخاصة .
ولا تعقيدات تذكر من أجل إصدار تراخيص دور عبادة ما .
فحرية التعبير، كما قال القاضي أوليفر وندل هولمز جونيور ، ليست للخطاب الذي نتفق معه، بل للخطاب الذي نختلف معه.
الدولة المدنية بلا مهاترات ولا حرب طواحين هواء ولا تمييز لا معنى له ولا تواطيء أمني مع الأغلبية الدينية ولا تقاطع مصالح مع جماعات محظورة ، ففي الدولة المدنية الأغلبية سياسية والأقلية سياسية .
فأوباما – الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة – أول رئيس من أصول أفريقية ، أبوه مسلم وأمه مسيحية يصل للبيت الأبيض حيث الكفاءة هي المعيار .
أوباما هو ثمرة هذا التاريخ النضالي .اوباما ثمرة ناضجة اكتملت أخيراً بعد زرع بزار الحرية والتعددية وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان والحريات الفردية ودولة القانون والتداول السلمي للسلطة .
اوباما ليس شخصاً فقط بل حالة حضارية تمخضت بها البشرية بشكل عام على كوكب الأرض وبشكل خاص في أمريكا – مكتب مجلس إدارة العالم ، ودولة الخلافة الإنسانية الآن .
أوباما ليس خروج عن النص الأمريكي ، ولا صوت نشاز في السيمفونية الأمريكية بل بالعكس هو جزء أصيل من سيمفونية الحضارة الإنسانية .
اوباما ليس زرع شيطاني ولا باراشوت سقط على رؤوس الأمريكان والعالم ، بل هو نتيجة تراكم كمي وكيفي أمريكي وإنساني .
تمخض العالم المتحضر فولد أوباما ليكتب تاريخه بماء الذهب وليعلن للعالم أن أمريكا التي أتت ببوش الكابوس صاحب الكيل بمئة مكيال والمصالح الأمريكية والذي داس على كل مباديء وقيم أمريكا العليا التي بنيت عليها وتفانت من أجلها إلى أن وصلت لقمة هرم البشرية العلمي والحقوقي والقانوني .
ولأن العالم أصبح قرية صغيرة بحق والحدود والسيادة الوطنية ومفهوم الداخل والخارج .. والوطن والمهجر .. صارت مفاهيم تنظيرية إلى حد كبير .. وحدود وخيوط مرسومة على لوحة الخرائط داخل أدراج الأمم المتحدة . ولكن الواقع والحقيقي أن العالم أصبح متداخل إلى درجة تفوق تخيل الكثير من الأنظمة الأمنية الماضوية التي مازالت ترى العالم بعين مخبر وتتعامل مع الأوطان بـُعرف وبلطجة وضع اليد . ولكن الحقيقة ما تراه ما هو إلا سراب من الماضي السحيق .
نجمة أينشتين التي نراها مضاءة وهي في الحقيقة الآن معتمة منذ سنين !!
أوباما يمثل لنا هبوب ريح التغيير المنتظر .. رياح التغيير لحكومات تخيلنا أنها سرمدية ، ولدنا فوجدناها منذ البدء وقالوا أنها ستكون إلى الأزل .
تغيرنا وهم لا يتغيرون . تطورنا وهم لا يتطورون . حتى الجماعات الإرهابية لدينا تغيرت ، تاب من تاب ، وتراجع من تراجع ، وهم لا يتراجعون ولا يتوبون . خطاة نحن وهم لا يخطئون.
حتى الإخوان تطوروا ، انتشروا ، تشعبوا من أسفل المجتمع في الشوارع والحواري والجوامع إلى القمة ، في البرلمان والنقابات وما خفي كان أقبح. من لم يعترفوا بالسياسة قديماً اعترفوا بها الآن وبالأحزاب ، استولوا على الحكم في غزة ، أقوياء في السودان . أصبحوا لاعب أساسي في مثلث برموا العربي – ايران ، سوريا ، " الجزيرة " قطر .
حتى الأقباط تطوروا ، تحركوا بين أقباط الداخل وأقباط المهجر الذين قضوا قروناً يعطوا الخد الآخر .
حتى البهائيون الذين لا يؤمنون بالسياسة ويؤمنون بكل الأنبياء حتى بوذا وبالوحي المتصل ، رفعوا قضايا .
وأهل النوبة .. والشيعة المصريين يسجنوا ويناضلوا .
والمدونين والفيس بوك وجيل الشباب المسكوت عنه والمشفر ، المـُلغم بأحلام المستقبل وبأحلام الحياة الأفضل .
ها رياح التغيير تهب . أوباما ليس شخص فقط بل هو حالة إنسانية حضارية .
لحظة تاريخية تشق النقاب عن فجر جديد .. الآن أصبح لدينا حلم .
رياح تغير وجه العالم القبيح الذي أصبح كالشبح في أعيننا . وتخيلنا أنه من كثرة تكرار السيناريو أنه لا مفر من الشبح ، لا مفر من الإحباط .. لا مفر من ثبات البركة الراكدة الفاسدة الفولاذية التي لا تـُقهر ولا يأتيها الباطل من بين أيديها و لا من خلفها .
أوباما لأمريكا طبيعي جداً .. بديهي جداً .. " التطور الطبيعي للحاجة الساقعة هناك " .
لكن هنا عندنا ، نحن ساكني الأدغال وشاربي بول الإبل نراه معجزة كعصا موسى ، يشق النهر ، يحرك الماء الراكد منذ سنين .. يقول لنا أنه يوجد في الأمكان أبدع مما كان ، وأن الغد يمكن أن يكون أجمل . وأن المستقبل يمكن أن يكون أكثر حرية وأكثر ديمقراطية وأكثر قانوناً وأكثر مواطنة .
يقول لنا أننا يمكن أن نكون مواطنين ولسنا رعايا . شركاء ولسنا أجراء . متساوون في الحقوق والواجبات ولسنا عبيد لمماليك الأمس .
أوباما كلمة أصبحت مكثفة كالإسفنجة امتصت كل أمانينا وأحلامنا بمستقبل قابل للتحقق ، ولأننا في قرية صغيرة وما تخترعه أمريكا نستورده . وما تزرعه نأكله .. ما يـتغير هناك ، نحصد صداه هنا .
والآن من حقي أن أحلم بأوباما مصري يـُغير واقعنا المتردي .. فالتاريخ صنعه الأحرار العادلون .. القادرون على التغيير ، الحالمون بعالم أفضل .
نحلم بأوباما مصري يدشن دولة القانون بيد عادلة لا مرتعشة .
يد حقوقية لا ديكتاتورية
يد ليبرالية لا عنصرية
يد لا تخاف من تداول السلطة السلمي
فالديمقراطية المعرفية والسياسية
والحريات الفردية .. وحقوق الإنسان
والفصل بين ما هو سياسي وما هو ديني
ما هو نسبي وما هو مطلق
أرض خصبة ضد الشوك .. وسماء مستنيرة ضد طيور الظلام
ومعمل علمي ضد الخرافة
ووطن حـُر عادل ضد العسس
ومواطنون منتمون فخورون بجنسيتهم وهويتهم المصرية العريقة بحق
أوباما المصري الذي يعلن أن مصر ليست عاقر مهما حاولوا أن يقنعونا أنها عجوز شمطاء غير قادرة على الحلم والتحقق .
أوباما المصري الذي يحمي أبجدية حلمنا وشفرة مستقبلنا
حسن إسماعيل
أمين عام الإتحاد المصرى لحقوق الإنسان
0 comments:
Post a Comment