ثارت ضجة شهيرة حول حجاب فتاتين مغربيتين في فرنسا.
الغريب إن ما نقلته أجهزة الإعلام وقتها كان ملوناً بنظرية المؤامرة و تتلخص في تصوير الحضارة الغربية على إنها معادية للإسلام و كأنها نشأت أساساً من أجل هذا الهدف. و يرى كاتب المقال إن هذه النظرية لا أساس لها , فالذي يشغل الغرب حقاً هو التقدم و الإنجازات الحضارية و التنافس حول إكتشاف الجديد و المفيد و المبهر و قد ودع الغرب منذ زمن طويل قضية خلط أوراق السياسة و الدين على المستوى العام, و أصبحت قضايا الحروب الصليبية و الحكومات الدينية قضايا تنتمى لديهم إلى عصور قديمة و متخلفة و حلت محلها قضايا الديمقراطية
و حرية الفكر و العقيدة و المساواة دون تمييز على أساس الجنس أو الإعتقاد.
و هكذا بدأت المعركة...
فى صباح أحد الأيام, في مدرسة بإحدى مدن الجنوب الفرنسي, دخلت شقيقتان من أصل مغربى, أعمارهما (15) , (16) عاماً إلى قاعة الدرس ب حجاباً لا يكشف سوى الوجه, و ينسدل على الظهر و الصدر و الكتفين, فوق جلباب واسع فضفاض يصل إلى القدمين.
المدارس الفرنسية لا تعترف بالزى الرسمى الموحد و لا تشترط في الزى سوى أن يكون مناسباً و عادياً, و لكن لا تسمح بالزى الديني الذى يميز بين الطالبات على أساس العقيدة الدينية.
دخلت الطالبتان الفصل و تصادف أن كان أحد دروس اليوم خاصاً بالتربية الرياضية و عادة تلبس الطالبات فيه ما يلائم أداء الألعاب الرياضية شورت و فانلة أو بذلة تدريب , و قد اعتذرت الطالبتان عن المشاركة بحجة عدم ملائمة الزى الرياضى, الذي (يخف) أو (يشف) أو (يصف) , و هنا استدعاهما مدير المدرسة, و نبه عليهما بعدم دخول المدرسة بهذا الزى الديني و بضرورة حضور الدروس الرياضية بزى رياضى ملائم..
عبارة زى ديني هنا هامة أيضاً, لأن هذا هو التفسير الذى استند اليه مدير المدرسة فى قراره بالمنع..
هاجت الدنيا في اليوم التالى مباشرة , حيث صدرت عشرات الصحف و هى تنشر أخبار هذه الحادثة فى الصفحة الأولى.
كان منطق مدير المدرسة يتلخص فى أن فرنسا دولة علمانية, ترفض التمييز على أساس الدين داخل المؤسسات التعليمية.
قال مدير المدرسة أنه يرفض أيضاً أن تدخل المدرسة طالبتان بزى الراهبات , فالقضية ليست موقفاً من دين معين و لكنها قضية أعراف و قيم تسود نظام التعليم و تمنع التمييز أو التمايز على أسس دينية , و المشكلة فى تصوره تجاوزت الزى إلى محاولة فرض إطار قيمي معين على نظام المدرسة.فالطالبتان ترفضان حضور الدروس الرياضية, و غداً سترفضان حضور دروس الفلسفة, أو بعض دروس العلوم الطبيعية لأسباب عقيدية و يستحيل عليه و هو مسئول عن المدرسة أن يقبل بذلك.
للطالبات كل الحق في ممارسة دينهن كما يشأن, و الإعلان عن هويتهم الدينية بأى أسلوب لكن ليس داخل جدران المدرسة, و لو تركنا الأمر دون وقفة, فسيدخل الطلبة اليهود غداً بطاقية الرأس اليهودية المميزة, و سيدخل البوذيون بزى الرهبان البوذى البرتقالى اللون, و سينهدم ركن المساواة و عدم التمييز من أساسة..
ثم حدث و دخلت زوجة الرئيس الفرنسي المعركة و أنكرت على المدير ما فعله.
ثم إنهال سيل من الاحتجاجات من التجمعات الإسلامية التى ذكرت أن ما لبسته الطالبتان ليس زياً دينياً و لكنه تنفيذ لتعاليم الدين فليس من حق المدير أن يمنع التدين..
و بدأ الجدال بين أنصار كلا الطرفين يشتد ف أنصار مدير المدرسة يرون انه لا أحد يمنع أحد من التدين , لكن التدين له أماكنه و المدارس ليست من هذه الأماكن, و رد عليهم أنصار الفتاتين بإن إثارة هذه الضجه تمثل عداء فرنسى للإسلام ثم رد أنصار مدير المدرسة بإن من بدأ بإثارة الضجة هم أنصار الفتاتين و حولوا الموضوع من قضية شخصية محدودة الى قضية قومية و سياسية و دينية.
تصاعدت القضية الى حد مناقشتها فى الجمعية الوطنية الفرنسية انتهى الموضوع نهاية درامية , حيث تم التصويت فيه لصالح الطالبتين , و سمح لهما و لغيرهما بإرتداء الحجاب فى المدارس و تحولت القضية الى معركة سياسية مثيرة.
و حدث ما حدث و إستقال مدير المدرسة إحتجاجاً على قرار الجمعية الوطنية و أثارت إستقالته تعاطفاً كبيراً من الرأى العام الذى يستوعب موقفه, وتم التعبير عن هذا التعاطف بمقالات و حوارات ركزت على إن الأعراف الفرنسية المستقرة أصبحت مهددة من خلال الأقليات الوافدة , التى تستند الى الحريات الواسعة التى يكفلها الدستور الفرنسى.
و ذكر بعض الفرنسيين انهم عندما يذهبون الى بلاد الشرق الاوسط يتنازلون عن كثير من عاداتهم الشخصية احتراما للأعراف السائدة فى هذه البلاد , ف المواطن الفرنسى يقبل صديقته في الطريق العام , و قد يفعل أكثر من ذلك لكنه لا يفعل هذا فى شوارع القاهرة مثلا أو شوارع بغداد , و الفتيات الفرنسيات ينزلن الى البحر بالنصف الأسفل من لباس البحر , و لا يفعلن ذلك مثلا فى شواطئ الاسكندرية أو جدة.
حسمت نتيجة المعركة فى النهاية لصالح الفتاتين , و يبقى السؤال من أين أتت إذا فكرة العداء الفرنسى للإسلام و المسلمين و الحجاب و الإدعاء المغلوط بحرية الرأى و الاعتقاد , و الايمان الفرنسى الكاذب بالحريات الشخصية.
إنزعج الفرنسيون كثيرا لاتهام الصحف العربية لفرنسا و الفرنسيين بالتعصب و العداء للاسلام , و أصبح المواطن الفرنسى يتساءل أهذا هو الجزاء على المناصرة و السماح ؟؟
لقد ناصرنا موقف شاذ بالنسبة لنا لفتاتين غربيتين , على حساب موقف منطقى بالنسبة لنا أيضاً لمسئول فرنسى و كلفناه وظيفته , تزيدا منا فى تأييد الحرية الشخصية و الدينية , فهل من المعقول أن توجه لنا تهمة التعصب ؟
ثم بدأ ينتبه الفرنسيون الى ما لم يكونوا ينبهون له قبل هذه الواقعة.
انتبه الفرنسيون الى ان المسلمين فى بعض المدن الصغير , يجلسون صفوفا خارج المسجد وقت صلاة الجمعة , و هذا مخالف للنظام العام , انتبهوا الى ارتفاع صوت أذان الصلاة خارج حدود المسجد , و بدأوا يعلنون شكواهم من هذا.
ساد الشعور بأن القضية لم تعد حرية دينية , بل محاولة لأسلمة المجتمع الفرنسى , و إخضاع الأغلبية فيه لنزعات الأقلية.
و قال لى صديق فرنسى..
حرية الاعتقاد فى فرنسا لا مثيل لها فى العالم كله.
روجيه جارودى شهر إسلامه فلم يهاجمه أحد, هل يستطيع نجيب محفوظ أن يعتنق دينا اخر دون أن تنقلب الدنيا رأساً على عقب؟؟؟
لو تحول مليون فرنسى الى الاسلام لن يحزن أو يفرح أحد , نحن لا نطلب من المواطن سوى إحترام القانون اما اعتقاده فهو شئ يخصه.
لماذا نهوى أن نضع أنفسنا فى مواقع المضطهدين؟؟
لماذا نتصور إننا وحدنا أصحاب المنطق و الحق , ولا نعطى لأنفسنا فرصة فهم الاخرين و التعرف على موقفهم..
من مقال د. فرج فودة
عندما أصبح الحجاب قضية فرنسية ساخنة
فدوى
Read more...